بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 28 أغسطس 2010

فتوي الشيخ القرضاوي حول العمل في البنوك الربوية







النظام الاقتصادي في الإسلام يقوم على أساس محاربة الربا ، واعتباره من كبائر الذنوب التي تمحق البركة من الفرد والمجتمع ، وتوجب البلاء في الدنيا والآخرة نص على ذلك الكتاب والسنة ، وأجمعت عليه الأمة ، وحسبك أن تقرأ في ذلك قول الله تعالى : ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات ، والله لا يحب كل كفار أثيم ) البقرة : 276. ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) البقرة : 278-279.وقول رسوله : ( إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ) رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد ..
وسنة الإسلام في تشريعاته وتوجيهاته أن يأمر المسلم بمقاومة المعصية ، فإن لم يستطع كف يده - على الأقل - عن المشاركة فيها بقول أو فعل ، ومن ثم حرم كل مظهر من ظاهر التعاون على الإثم والعدوان ، وجعل كل معين على معصية شريكًا في الإثم لفاعلها ، سواء أكانت إعانة بجهد مادي أم أدبي ، عملي أم قولي .
ففي جريمة القتل يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار )
رواه الترمذي وحسنه .
وفي الخمر يقول : ( لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه )
رواه أبو داود وابن ماجة .
وفي جريمة الرشوة يلعن الرسول : ( الراشي والمرتشي والرائش - وهو الساعي بينهما )
- كما روى ابن حبان والحاكم .
وفي الربا يروي جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لعن آكل الربا ومؤكله وشاهديه - وقال : ( هم سواء ) رواه مسلم ، ويروي ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لعن آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي. وصححه وأخرجه ابن حبان والحاكم وصححاه،ورواه النسائي
بلفظ (آكل الربا ومؤكله وشاهداه - إذا علموا ذلك - ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ) . وهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة هي التي تعذب ضمائر المتدينين الذين يعملون في مصارف أو شركات لا يخلو عملهم فيها من المشاركة في كتابة الربا وفوائد الربا .
غير أن وضع الربا لم يعد يتعلق بموظف في بنك أو كاتب في شركة ، إنه يدخل في تركيب نظامنا الاقتصادي وجهازنا المالي كله ، وأصبح البلاء به عامًا كما تنبأ رسول الله : ( ليأتين على الناس زمان لا يبقى منهم أحد إلا أكل الربا فمن لم يأكله أصابه من غباره )
رواه أبو داود وابن ماجة .
ومثل هذا الوضع لا يغير فيه ولا ينقص منه امتناع موظف عن تسلم عمله في بنك أو شركة ، وإنما يغيره اقتناع الشعب - الذي أصبح أمره بيده وحكمه لنفسه - بفساد هذا النظام المنقول عن الرأسمالية المستغلة ، ومحاولة تغييره بالتدرج والأناة ، حتى لا تحدث هزة اقتصادية تجلب الكوارث على البلاد والعباد ، والإسلام لا يأبى هذا التدرج في علاج هذه المشكلة الخطيرة ، فقد سار على هذه السنة في تحريم الربا ابتداء كما سار عليها في تحريم الخمر وغيرها .
والمهم هو الاقتناع والإرادة ، وإذا صدق العزم وضح السبيل .
وعلى كل مسلم غيور أن يعمل بقلبه ولسانه وطاقته بالوسائل المشروعة لتطوير نظامنا الاقتصادي ، حتى يتفق وتعاليم الإسلام ، وليس هذا ببعيد ، ففي العالم دول تعد بمئات الملايين لا تأخذ بنظام الربا ، تلك هي الدول الشيوعية .
ولو أننا حظرنا على كل مسلم أن يشتغل في البنوك لكانت النتيجة أن يسيطر غير المسلمين من يهود وغيرهم على أعمال البنوك وما شاكلها ، وفي هذا على الإسلام وأهله ما فيه .
على أن أعمال البنوك ليست كلها ربوية فأكثرها حلال طيب لا حرمة فيه ، مثل السمسرة والإيداع وغيرها ، وأقل أعمالها هو الحرام ، فلا بأس أن يقبله المسلم - وإن لم يرض عنه - حتى يتغير هذا الوضع المالي إلى وضع يرضي دينه وضميره ، على أن يكون في أثناء ذلك متقنًا عمله مؤديًا واجبًا نحو نفسه وربه ، وأمته منتظرًا المثوبة على حسن نيته
( وإنما لكل امرئ ما نوى ) . وقبل أن نختم فتوانا هذه لا ننسى ضرورة العيش ، أو الحاجة التي تنزل - عند الفقهاء - منزلة الضرورة ، تلك التي تفرض على صاحب السؤال قبول هذا العمل كوسيلة للتعيش والارتزاق والله تعالى يقول : ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ) .
                          من كتاب فتاوى معاصرة الجزء الاول .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق